fbpx

لُوقَـا 12

1 وَتَجَمَّعَ عِدَّةُ آلَافٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى كَادَ يَدُوسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَبَدَأ يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ أوَّلًا لِتَلَامِيذِهِ: «احتَرِسُوا مِنْ خَمِيرَةِ الفِرِّيسِيِّينَ، أيْ مِنْ رِيَائِهِمْ.

2 فَمَا مِنْ مَخفِيٍّ إلَّا وَسَيُكشَفُ، وَمَا مِنْ مَستُورٍ إلَّا وَسَيُعلَنُ.

3 فَكُلُّ مَا تَقُولُونَهُ فِي الظُّلمَةِ سَيُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَكُلُّ مَا هَمَستُمْ بِهِ فِي الآذَانِ فِي الغُرَفِ المُغلَقَةِ سَيُذَاعُ مِنْ فَوقِ سُطُوحِ البُيُوتِ.»

4 «أقُولُ لَكُمْ يَا أحِبَائي، لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الجَسَدَ، ثُمَّ لَا يَقْدِرُونَ أنْ يَفْعَلُوا مَا هُوَ أكْثَرَ.

5 سَأقُولُ لَكُمْ مِمَّنْ يَنْبَغِي أنْ تَخَافُوا: خَافُوا مِنْ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ السُّلطَانُ أنْ يُلقِيَ فِي جَهَنَّمَ بَعْدَ أنْ يَقْتُلَ. نَعَمْ، أقُولُ لَكُمْ خَافُوا مِنْهُ.

6 «أمَا تُبَاعُ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ بِقِرشَينِ؟ وَمَعَ ذَلِكَ، فَإنَّ اللهَ لَا يَنْسَى وَاحِدًا مِنْهَا.

7 أمَّا أنْتُمْ فَحَتَّى شَعرُ رَأسِكُمْ كُلُّهُ مَعدُودٌ. فَلَا تَخَافُوا، فَأنْتُمْ أثمَنُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ.

8 «وَأقُولُ لَكُمْ إنَّ كُلَّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي أمَامَ الآخَرِينَ، فَسَأعتَرِفُ أنَا ابْنَ الإنْسَانِ بِهِ أمَامَ مَلَائِكَةِ اللهِ.

9 وَمَنْ يُنكِرُنِي أمَامَ الآخَرِينَ، فَسَأنكِرُهُ أمَامَ مَلَائِكَةِ اللهِ.

10 «كُلُّ مَنْ يُهِينُ ابْنَ الإنْسَانِ يُمْكِنُ أنْ يُغفَرَ لَهُ، أمَّا الَّذِي يُهِينُ الرُّوحَ القُدُسَ فَلَنْ يُغفَرَ لَهُ.

11 «وَعِنْدَمَا يُحضِرُونَكُمْ أمَامَ المَجَامِعِ وَالحُكَّامِ وَالسُّلُطَاتِ، لَا تَقْلَقُوا كَيْفَ سَتُدَافِعُونَ عَنْ أنْفُسِكُمْ أوْ مَاذَا سَتَقُولُونَ،

12 لِأنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَيُعَلِّمُكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مَاذَا يَنْبَغِي أنْ تَقُولُوا.»

13 ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ جُمُوعِ النَّاسِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لِأخِي بِأنْ يُقَاسِمَنِي المِيرَاثَ الَّذِي تَرَكَهُ أبِي!» لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ:

14 «يَا رَجُلُ، مَنِ الَّذِي عَيَّنَنِي قَاضِيًا عَلَيكُمَا أوْ مُقَسِّمًا؟»

15 وَقَالَ لَهُمْ: «احتَرِسُوا وَاحفَظُوا أنْفُسَكُمْ مِنْ كُلِّ طَمَعٍ. فَحَتَّى إذَا كَانَ لإنْسَانٍ مَا يَزِيدُ عَنْ حَاجَتِهِ، فَإنَّ حَيَاتَهُ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى مُقتَنَيَاتِهِ.»

16 ثُمَّ رَوَى لَهُمْ هَذِهِ القِصَّةَ: «كَانَ لِرَجُلٍ غَنِيٍّ أرْضٌ أنتَجَتْ مَحصُولًا وَفِيرًا،

17 فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ: ‹مَاذَا أفْعَلُ يَا تُرَى؟ إذْ لَيْسَ عِندِي مَكَانٌ أَخْزِنُ فِيهِ مَحَاصِيلِي؟›

18 «فَقَالَ: ‹هَذَا مَا سَأفْعَلُهُ: سَأهدِمُ مَخَازِنِي وَأبنِي مَخَازِنَ أكبَرَ مِنْهَا، وَسَأَخْزِنُ كُلَّ حُبُوبِي وَخَيرَاتِي فِيهَا

19 وَأقُولُ: لَكِ يَا نَفْسِي خَيرَاتٌ وَفِيرَةٌ، سَتَدُومُ سَنَوَاتٍ كَثِيرَةً، فَاطْمَئِنِّي وَتَمَتَّعِي!›

20 «فَقَالَ لَهُ اللهُ: ‹أيُّهَا الأحمَقُ! سَتَنْتَهِي حَيَاتُكَ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ، فَلِمَنْ تَصِيرُ الأشْيَاءُ الَّتِي أعدَدْتَهَا؟›

21 «هَكَذَا تَكُونُ حَالُ مَنْ يَخْزِنُ كُنُوزًا لِنَفْسِهِ، دُونَ أنْ يَكُونَ غَنِيًّا بِاللهِ.»

22 ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: «لِهَذَا أقُولُ لَكُمْ، لَا تَقْلَقُوا مِنْ جِهَةِ مَعِيشَتِكُمْ، أيْ بِشَأنِ مَا سَتَأْكُلُونَ. وَلَا تَقْلَقُوا مِنْ جِهَةِ جَسَدِكُمْ، أيْ بِشَأنِ مَا سَتَلْبَسُونَ.

23 لِأنَّ الحَيَاةَ أكْثَرُ أهَمِّيَّةً مِنَ الطَّعَامِ، وَالجَسَدَ أكْثَرُ أهَمِيَّةً مِنَ اللِّبَاسِ.

24 انْظُرُوا إلَى الغِربَانِ وَتَعَلَّمُوا: إنَّهَا لَا تَبْذُرُ وَلَا تَحْصُدُ، وَلَا مَخزَنَ لَهَا لِتَخْزِنَ، لَكِنَّ اللهَ يُطعِمُهَا. وَكَمْ أنْتُمْ أثمَنُ عِنْدَ اللهِ مِنَ الطُّيُورِ!

25 مَنْ مِنْكُمْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُضِيفَ إلَى عُمرِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً عِنْدَمَا يَقْلَقُ؟

26 فَمَا دُمتُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أنْ تَفْعَلُوا حَتَّى هَذَا الشَّيءَ الصَّغِيرَ، فَلِمَاذَا تَقْلَقُونَ مِنْ جِهَةِ بَقِيَّةِ الأُمُورِ؟

27 «انْظُرُوا كَيْفَ تَنْمُو الزَّنَابِقُ. إنَّهَا لَا تَتْعَبُ وَلَا تَغْزِلُ. لَكِنِّي أقُولُ لَكُمْ، إنَّهُ لَمْ يُكسَ أحَدٌ مِثْلَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَلَا حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ.

28 فَإنْ كَانَ اللهُ يُلبِسُ عُشبَ الحُقُولِ الَّذِي تَرَاهُ هُنَا اليَوْمَ، وَفِي الغَدِ يُلقَى بِهِ فِي الفُرنِ، أفَلَا يَهْتَمُّ بِكُمْ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَا قَلِيلِي الإيمَانِ!

29 «فَلَا تُشغِلُوا عُقُولَكُمْ بِمَا سَتَأْكُلُونَ أوْ بِمَا سَتَشْرَبُونَ، وَلَا تَقْلَقُوا بِشَأنِهَا.

30 فَهَذِهِ أُمُورٌ يَسْعَى إلَيْهَا أهْلُ العَالَمِ الآخَرُونَ، وَأبُوكُمْ يَعْرِفُ أنَّكُمْ تَحتَاجُونَ إلَيْهَا.

31 فَاهتَمُّوا أوَّلًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَسَتُعطَى لَكُمْ هَذِهِ الأُمُورُ أيْضًا.

32 «لَا تَخَفْ أيُّهَا القَطِيعُ الصَّغِيرُ، فَاللهُ مَسرُورٌ بِإعطَائِكُمُ المَلَكُوتَ.

33 بِيعُوا مُقتَنَيَاتِكُمْ، وَأعطُوا المَالَ لِلفُقَرَاءِ. اقتَنُوا مَحَافِظَ لَا تَبْلَى مَعَ الزَّمَنِ، أيْ كُنُوزًا لَا تَفْنَى فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يَصِلُ اللُّصُوصُ إلَيْهَا، وَلَا يُصِيبُهَا العَفَنُ.

34 لِأنَّ قَلْبَكَ سَيَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ كَنزُكَ.»

35 وَقَالَ: «شُدُّوا أحْزِمَتَكُمْ مُتَأهِّبينَ لِلعَمَلِ، وَحَافِظُوا عَلَى مَصَابِيحِكُمْ مُشتَعِلَةً دَائِمًا.

36 كُونُوا كَأشخَاصٍ يَنْتَظِرُونَ عَودَةَ سَيِّدِهِمْ مِنْ حَفلَةِ عُرسٍ. فَمَتَى جَاءَ وَقَرَعَ البَابَ، يَفْتَحُونَ لَهُ فَوْرًا.

37 هَنِيئًا لِهَؤُلَاءِ الخُدَّامِ الَّذِينَ يَجِدُهُمْ سَيِّدُهُمْ صَاحِينَ وَمُسْتَعِدِّينَ عِنْدَ عَودَتِهِ. أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّهُ سَيَشُدُّ حِزَامَهُ، وَيُجلِسُهُمْ عَلَى مَائِدَتِهِ وَيَخْدِمُهُمْ.

38 هَنِيئًا لَهُمْ إذَا وَجَدَهُمْ مُسْتَعِدِّينَ هَكَذَا، سَوَاءٌ أجَاءَ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيلِ أمْ قُبَيلَ الفَجرِ.

39 «تَأكَّدُوا أنَّهُ لَوْ عَلِمَ صَاحِبُ البَيْتِ فِي أيَّةِ سَاعَةٍ يَنْوِي اللِّصُّ أنْ يَأْتِيَ، لَمَا تَرَكَهُ يَسْطُو عَلَى بَيْتِهِ.

40 فَكُونُوا أنْتُمْ أيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأنَّ ابْنَ الإنْسَانِ سَيَأْتِي فِي لَحظَةٍ لَا تَتَوَقَّعُونَهَا.»

41 حينَئِذٍ قَالَ بُطرُسُ: «يَا رَبُّ، هَلْ تَرْوِي هَذَا المَثَلَ لَنَا أمْ لِلجَمِيعِ أيْضًا؟»

42 فَقَالَ الرَّبُّ: «فَمَنْ هُوَ إذًا الوَكِيلُ الأمِينُ الفَطِنُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ السَّيِّدُ مَسؤُولًا عَنْ خُدَّامِهِ، لِيُعطِيَهُمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ فِي وَقْتِهَا المُنَاسِبِ؟

43 هَنِيئًا لِذَلِكَ الخَادِمِ الَّذِي حِينَ يَأتِي سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَقُومُ بِوَاجِبِهِ.

44 أقُولُ لَكُمُ الحَقَّ، إنَّهُ سَيُوكِلُهُ عَلَى جَمِيعِ أمْلَاكِهِ.

45 «لَكِنْ قَدْ يَقُولُ هَذَا الخَادِمُ فِي نَفْسِهِ: ‹يَبْدُو أنَّ سَيِّدِي سَيَتَأخَّرُ فِي مَجِيئِهِ.› فَيَبْدَأُ بِضَربِ الخُدَّامِ وَالخَادِمَاتِ، وَيَبْدَأُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ.

46 فَيَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الخَادِمِ فِي يَوْمٍ لَا يَتَوَقَّعُهُ، وَفِي سَاعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا، فَيُعَاقِبُهُ كَمَا يُعَاقَبُ الخَائِنُ.

47 «فَمِثْلُ هَذَا الخَادِمِ الَّذِي يَعْرِفُ إرَادَةَ سَيِّدِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَعِدُّ وَلَا يَعْمَلُ بِهَا، فَسَيُعَاقَبُ عِقَابًا شَدِيدًا.

48 أمَّا الخَادِمُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ إرَادَةَ سَيِّدِهِ، وَفَعَلَ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ العِقَابَ، فَسَيُعَاقَبُ عِقَابًا أخَفَّ. فَمَنْ يُعْطَى كَثِيرًا يُطلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُؤتَمَنُ عَلَى كَثِيرٍ سَيُطَالَبُ بِالكَثِيرِ.»

49 «لَقَدْ جِئتُ لِأُشعِلَ نَارًا عَلَى الأرْضِ. وَكَمْ أتَمَنَّى لَوْ أنَّهَا أُشعِلَتْ بِالفِعْلِ!

50 لِي مَعمُودِيَّةٌ لَا بُدَّ أنْ أتَعَمَّدَ بِهَا، وَلَنْ تَهْدَأَ نَفْسِي حَتَّى تَتِمَّ.

51 هَلْ تَظُنُّونَ أنِّي جِئتُ لِكَي أُرَسِّخَ سَلَامًا عَلَى الأرْضِ؟ لَا، بَلْ أقُولُ لَكُمْ إنِّي جِئتُ لِأُرَسِّخَ الانْقِسَامَ!

52 أقُولُ هَذَا لِأنَّهُ مُنْذُ الآنَ فَصَاعِدًا، يَكُونُ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنقَسِمِينَ ثَلَاثَةً عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثنينِ عَلَى ثَلَاثَةٍ.

53 «الأبُ عَلَى ابنِهِ، وَالابْنُ عَلَى أبِيهِ. الأُمُّ عَلَى ابنَتِهَا، وَالبِنتُ عَلَى أُمِّهَا. الحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا.»

54 وَقَالَ يَسُوعُ لِجُمُوعِ النَّاسِ: «تَرَوْنَ غَيمَةً تَظْهَرُ فِي الغَرْبِ، فَتَقُولُونَ: ‹المَطَرُ قَادِمٌ،› وَتُمطِرُ السَّمَاءُ بِالفِعْلِ.

55 وَتَهُبُّ رِيحٌ جَنُوبِيَّةٌ فَتَقُولُونَ: ‹سَيَكُونُ الجَوُّ حَارًّا.› وَيَكُونُ كَذَلِكَ بِالفِعْلِ.

56 أيُّهَا المُنَافِقُونَ، أنْتُمْ تُحسِنُونَ تَفْسِيرَ عَلَامَاتِ المُنَاخِ، فَكَيْفَ لَا تُحسِنُونَ فَهْمَ هَذَا العَصْرِ؟»

57 «وَلِمَاذَا لَا تَحْكُمُونَ بِأنفُسِكُمْ مَا هُوَ الصَّوَابُ؟

58 فَبَيْنَمَا أنْتَ ذَاهِبٌ مَعَ خَصمِكَ إلَى الحَاكِمِ، ابذُلْ مَا فِي وُسْعِكَ لِتُسَوِّيَ خِلَافَكَ مَعَهُ عَلَى الطَّرِيقِ. وَإلَّا فَإنَّهُ قَدْ يَجُرُّكَ إلَى القَاضِي، وَيُسَلِّمُكَ القَاضِي إلَى الضَّابِطِ، وَيَزُجُّ بِكَ الضَّابِطُ فِي السِّجْنِ.

59 أقُولُ لَكَ إنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ مِنْ هُنَاكَ إلَى أنْ تَسُدَّ آخِرَ فِلسٍ عَلَيْكَ.»